طغيان الأغلبية

Tyranny of the majority


كيف تسير الأغلبية أمورك سياسيا، كيف ينتقل النزاع من أغلبية لأخرى، كيف تحدث الثورات السياسة...الدامية أحيانا.


لا لطغيان االغاشي

تقديم


عند مشاهدتك لقردة تتهارش بينها، تذكر دائما القبلية العربية قديما (أو حديثا)، حين تتصارع الأطراف، لتجسد ما يعرف في علم الطبيعة بنزاع ذكور الألفا.

عبارة طغيان الأغلبية، والتي تستخدم في مناقشة النظم الديمقراطية، هو انتقاد للسيناريو الذي تتخذه الأغلبية في القرارات التي من شأنها خدمة مصالح هذه الأغلبية على حساب مصلحة الأقلية (أو الأقليات) فيكون تصرف الأغلبية "استبداديّا" شبيها بعمل المستبدين تاريخيا.


صراع الأغلبية والأقلية، يتبعه صراع القوى بين الأغلبيات بعضها بعض.


أمثلة لطغيان الأغلبية


المصطلح




تعود الفكرة القديمة على الأقل لزمن جمهورية أفلاطون ، في حين أن العبارة ذاتها نشأت مع أليكسيس دو توكفيل (Alexis de Tocqueville) في كتابه: الديمقراطية في الولايات المتحدة (1835 ، 1840) ، كذلك بعد جون ستيوارت ميل، والذي استشهد بـدو توكفيل ، في كتابه: يوم الحرية.

المفهوم نفسه كان شائعا مع فريدريك نيتشه (Nietzsche) كما استخدمها أكثر من مرة في كتابه: الإنسان، كل الإنسان (1879) و أشارت المقالات الفيدرالية الأمريكية أيضا إلى هذا المفهوم، عادة بعنوان "عنف الفصيلة الغالبة " ولا سيما في المقالة الاتحادية 10.


نقد لفكرة أن الأغلبية، تكون دائما طاغية


  • فكرة أنه في الديمقراطية ، تكون الأغلبية ظالمة ومستغلة لمصالح الأقلية، تعرضت لانتقادات من Mancur Olson في: منطق العمل الجماعي، والذي يدافع بدلا من ذلك بقوله أن أقلية منظمة بشكل جيد أكثر تأكيدا لمصالحها فوق مصالح الأغلبية.
يكمل أولسون قائلا، أنه، عندما يعود عمل الأقلية السياسي بالنفع (جماعات الضغط، اللوبيات اليهودية مثلا) على عدد أقل من العملاء، فإن هناك حافزا أقوى من الفردية للإسهام في نفس هذا النشاط السياسي. الأقليات، وخاصة تلك التي يمكنها مكافأة المشاركة الفعالة لأهدافها، قد تكون قادرة على السيطرة على العملية السياسية أو تشويهها.

  • مبدأ جون جاك روسو  (Jean-Jacques Rousseau )  حول الإرادة العامة (general will) يتوّج نوعا من استبداد الأغلبية أيضا، عندما يقول:

إن تفريط الأفراد بحقوقهم لصالح الإرادة العامة، تدفعهم ليكونوا أحرارا.

  • توجد أمثلة لأقليات استقوت، حتى صارت متحكمة في أغلبيات، سوريا كمثال واضح، حيث الأقلية العلوية
مستحكمة منذ مدة، ضد إرادة الأغلبية السنيّة، هذه الأقلية التي استقوت بحزب البعث أولا، ثم بأغلبية أخرى، جناح السوفيت، للبقاء في الحكم، رغم ما قد يجره عنادها من آثار مستقبلية وخيمة.

التعقيب على المشككين في طغيان الأغلبية

المبررات التي يقدمها بعض المفكرين، دفاعا عن الأغلبية، غير دقيقة، إذ لم توجد حرية لأقلية يوما ما، دون رقابة من أغلبية، والتي يمكنها "مسح" الأقلية المزعجة، حين تراها كذلك، هذا ما سنراه في عواقب الطغيان.


عواقب الطغيان


صراع حيواني قديم، أصيل

         

عواقب الطغيان، وصراع القوى


كانت لقرارات سياسية مثيرة، عواقب إقتصادية أو إجتماعية رهيبة، أو كلاهما معا، نظرا لإرتباطها ككل، نماذج من التاريخ، نرى فيها، ثورات دموية قامت بين أغلبية وأقلية، وبين أغلبية وأغلبية جديدة في مجتمعات عديدة، منها:


سياسية، حروب أهلية وتمرد (CiviL Wars, Rebellions)


  • القرامطة والحجر الأسود

عكس الخوارج التي ثارت ضد الأغلبية القريشية، وأبقت على الدين كمحرك جماعي، هجم القرامطة على الكعبة، قتلوا من قتلوا وأخرجوا حجرها الأسود، من طائفة الإسماعيلية، وبسياسات شيوعية، قام هؤلاء ضد طغيان الأغلبية أيضا، دولة عباسية هشة ومجتمع كئيب.
استقوى القرامطة بالعباسيين أول مرة، أجل، لكنهم مالوا لنفس الطائفة، الفاطميون، كمثال حي، لبحث الأقلية عن سند، فقط، لمسح أغلبية طاغية في نظرها.
  • حروب الإنغليز الأهلية

الملك شارل الأول لا يستدعي برلمانه المزمن، وطبقة المتطهرين (Puritans) تراقبه، إنه يأله نفسه الآن، بريطانيا التي شهدت عداوة البابا، لا تريد سلطة أخرى، يثور البرلمان حينها، ويتقدم المتطرف أوليفر كرومويل (Oliver Cromwell) لإعدامه.
ما حدث بعدها، عودة للملكيين قوية، قاموا فيها بنبش قبر المتطهر كرومويل، التبول فوق جثته، ثم رميها للكلاب [5].
الثورة المجيدة [6]، أتت بعدها، حين طلب الانغليز دخول أجانب (وليام الثالث الهولندي) لمسح الأغلبية الملكية العائدة، في دموية أخرى.
شاهدنا مثل هذا حديثا، والتاريخ يعيد نفسه، أغلبية دينية تصارع أغلبية أخرى (قبيلة تكريتية في الواقع) داخل العراق، تستعين الأولى بدولة أجنبية، فتضحية بطاغية في عيد الأضحى.
  • تمرد الإسلاميين في الجزائر

علي بن حاج، الإسلامي، أراد إخراج الجزائريين من نار جهنم، والجنرال خالد نزار، إدخالهم جنة النعيم، وبين القوم عداوة سياسية إجتماعية قديمة، وخطأ سياسي يدفع لعشرية سوداء دامية. كانت الأغلبية هنا طبقة من "المجاهدين العسكر" في حكم قارب نصف قرن، بحيرة اتجاه تنامي تيار إسلامي متشدد، انفجر في التسعينات، طالبا تغيرا جذريا، الراديكالية [2].
  • إخوان في مصر ضد الفراعنة

يسمى رئيس مصر فرعونا، فكل بيده، والكل يده، والإخوان في صراعهم مع سياسة العسكر الشمولية، لم يجدوا غير الدين وسيلة لتهييج، فصار كل ما يفعله سياسو السلطة ناقصا في الدين، حتى الرقابة الدينية نقصها رقابة في الدين، ومع الإنفجار السكاني، وعدم تحرك الأغلبية الحاكمة (العسكر) بإجابية نحو الانفتاح الديمواقراطي، خرج ما علّم دروسا لفرعون، ديموقراطية بني صهيون [3].

الثورة المصرية مستمرة، بما فيها من جوانب نزاع بين الطبقات المدنية، فتحول صراع الأغلبية، لصراع القوى. 

اقتصادية، الهجرة (Immigration)


  • عرب ويهود الأندلس

ماذا حدث لإسبانيا، حين أخرج متطرفوها المسيحييون المسلمين واليهود؟ دخلت إسبانيا وقتها عصرا ذهبيا، ذهب مكتشف في أمريكا، القارة الجديدة، وأرمادا (Armada) حربية، لكن أموال اليهود وخبرتهم البنكية مالت لهولندا وانجلترا، كما أن تجارة العرب وزراعتهم بعدت عن اسبانيا أيضا، الشيء الذي جعل العصر الذهبي في تراجع، فلم تنعم به البلد لأكثر من 5 سنوات، دمرت خلالها قوتها الحربية من انجلترا وهولندا نفسها، بلدان كانت أكثر تحررا منها، وأكثر قابلية لاستقبال الأقليات المتنوعة.
  • بين فرنسا وإيران

بين الثورة الإيرانية في عيدها الثلاثين، والفرنسية هذه، فرق شاسع كبير، فثورة الفرنسيين جلبت شعار العلمانية، أما الإيرانية، شعارها كان، آية الله.

ما يهمنا في هذه الأمثلة، هو هجرة الأقليات التي تعرض لها أهل بلد ما، فرنسا مثلا، هجرها الهوغونوت البروتستانت (Huguenots)  أول الأمر في حروبها الدينية (بين البروتستانت والكاثوليك) لسويسرا أو ألمانيا البروتيستانتية، آخذين معهم العديد من رؤوس الأموال والتكنولوجيا، لتتأخر فرنسا الكاثوليكية، قبل أن تدخل ثوراتها المتنوعة.

 تم إعدام الملك لويس السادس عاشر أيضا، مات العديد، بين أغلبيتين، الملكيون، والطبقة الوسطى النامية، كل هذا، لأن الأغلبية الملكية، بقيت صماء عمياء، للزمن الذي يجري [4].
فرنسا انتقلت بين أغلبياتها المتنوعة، سقوط للملكية، جمهورية، ثم، امبراطورية نابليون، ثم عودة للجمهورية، ثم ماذا؟ ملكية أخرى، وهكذا دواليك.

نعلم عن أخبار الثورة الإيرانية أيضا، لقربها حديثا، نعلم صراعاتها الداخلية، حين ظهر حفيد الخميني نفسه، معلنا تبرأه من ولاية الفقيه الطاغية.

من يريد حكم الجاهل؟ نجد أنه حتى الأغلبية، في بلدان للعالم الثالث، تهاجر لبلدان أكثر تحررا وديموقراطية في عصرنا الحديث، وبقاؤها أو بقاء أقلية معينة في بلد متخلف، إنما هو فقط ترقبا لتغير في أمور، وتبدل حال.

   

ثقافية، تخلف مكرر (knowledge retardation) 

  •  التخلف العلمي والحضاري الساحق

تتبع الجوانب الثقافية للطغيان، الجوانب الاقتصادية، أمريكا وحلفاؤها لم ينتصروا في الحرب العالمية الثانية، دون مساعدة من مهاجري ألمانيا من ضحايا النازية الطاغية أو حتى ضحايا الفقر والقهر الطاغيين، مثل ما حدث في هجرات الإيطاليين والإرلنديين لها.
ساهم أنشتين مثلا، مع أنريكو فيرمي، في تصنيع قنبلتها النووية الأولى ضد اليابان هكذا، فأضاعت النازية بطغيانها، أفضل أقلياتها.

  • الشبكة العالمية (Internet) شهدت أيضا ما شهدته من صراعات بين المنتديات والموسوعات الحرة، أغلبية وأقلية، ففي ويكيبيديا مثلا، حيث تتجاور الأغلبية مع الأقلية، شهدت ومازالت، حماسا من الطرفين، ينتهي غالبا بعزلة الأقلية، وتموقعها في مواقع غيرها، موسوعة نول مثلا، الأكثر تحررا.


ينتهي طغيان الأغلبية


كما رأينا، كانت الحروب الأهلية، الفاصل بين طغيان أغلبية، وحرية تطلبها أقلية أو أغلبية حديثة، كما لا يمكن حصر ما صار تاريخيا في أمم عديدة، كلبنان مثالا واضحا.

إن الإنتقال السلس (الديموقراطية) في زمام الأمور بين الأغلبيات، هو وحده كفيل السلم على المدى القصير والبعيد.
عادة ما تهدف القيود (والتي تطبق بقوة القانون في البلدان المتقدمة) على القرارات التي يمكن أن تقدمها الأغلبية، مثل القيود الدستورية على سلطات البرلمان، و/أو استخدام قوانين خاصة للحقوق المدنية في الديمقراطيات البرلمانية، للحد من مشاكل جوار الأغلبية للأقليات.
نكاد لا نجد ديموقراطية في العصر الحديث، دون حرب أهلية وقعت (بأنواعها)، وحدها الدول المتحررة، والتي لم تكن هنالك أزمات خطيرة بين مكوناتها، صارت ديموقراطيات حديثة، لأن أغلبيتها كانت حازمة واعية، بنظرة للمستقبل (الدول الاسكندنافية نوعا ما، أنظر تاريخها أيضا من الصراعات)

  

(يتبع)

 

مصادر

مؤيدون للأقليات
  • Lani Guinier, The Tyranny of the Majority
مؤييدون للأغلبية
  • Mancur Olson, The Logic Of Collective Action

أنظر أيضا من ويكيبيديا


تعليقات

يمكنك التعليق..

الأرشيف