الله، بين الإيمان والكفر

هل يحتاج الإنسان لإله، أم أن الله من يحتاجنا كبشر

مقدمة


لو قلت لمسلم مثلا (أو متدين مسيحي) بأن الله لا يوجد، قد يطير غضبا ولعنا، أما حين يكون قولك بأن الله لا يمكن معرفته، لأنه فوق قدراتنا، يقفز فرحا ومدحا.



اله هندي..بشكل فيل



جملتان تتقاربان، إله غير موجود وإله غير معروف، لكن نفسية المستمع لك، تفسر الجمل تفسيرا، على هواها، أو كما قيل منذ القدم: إن الإنسان يحب سماع ما يرضيه.

الإيمان هو الإعتقاد دون دليل (دون المستوى المقبول من الأدلة)، أيضا، هو الثقة في صدق شخص ما، فكرة، أو شيء ما. عادة ما تستخدم كلمة "الإيمان" للمفاهيم الدينية، كما هو الحال في علم اللاهوت، حيث يشير إلى ثقة وايمان بشيء علوي، كحقيقة مطلقة.

الاستخدام غير الديني لكلمة "الإيمان" (Belief, Faith) قليل، وبدلها، نستعمل كلمة عقيدة، تصديق، رجاء، بعيدا عن مجالات الدين، كالإيمان بفلسفة ما، أو سياسة محددة، لا تتضمن شروط الإيمان الثلاث:

  • تصديق بوجود إله، آلهة متعددة للعبادة.
  • تدخل الله أو الآلهة في مصير البشر والكون.
  • تعظيم وتقدير لتعاليم زعيم ديني.

نقول مع غيرها من المعتقدات، بأنه ليبيرالي متشدد، شيوعي لحد النخاع، لكنه لا يظن أن كارل ماركس خلق الكون مثلا.

هذا البحث، ليس لإثبات وجود الله من عدمه، بل هو محاولة لفهم طبيعة الإيمان، ورغبة الإنسان في تصديق (لدرجة التطرف) نوع ما من الأفكار.


لقد آمن الناس قديما بأن الشمس تدور حول الأرض المسطحة، فماذا يجعلهم ينفون هذا الآن؟ أدلة مقنعة؟

الإيمان في الديانات


من هو الشادي؟ القرد هنا؟


تنوع موضوع الإيمان منذ القدم، منذ نشأت الإنسان القرد (نظرية التطور لداروين) إيمان بشيء مجرد أو شيء حقيقيّ (البرق والرعد، الرسل)، من تطور في عقيدة دينية (أديان سماوية) حيث تشترك هذه الديانات عموما فيما بينها.

الرهبة قديما والرغبة في الطمأنينة، جعلا الإنسان البدائي يبحث عن أجوبة لوساوسه القديمة: من أنا؟ ماهي بداياتي؟ أين هي آخرتي...

مع هذه الأسئلة، كانت نشأت تلك الأجوبة الدينية، والتي تغيرت عبر التاريخ ومع كل الأمم.

نظريات جديدة لعلماء الطبيعة، تفسر ظهور الديانات الأولى البدائية، ومن ثم تنوعها على اختلافاتها، تشير لوجود منطقة خاصة في دماغ البشري، كجهة مسؤولة عن تساؤلاته الوجدانية.

تطور الإيمان


عموما، يتميز تطور الإيمان، والمسار الديني للإنسان بهذه الخصائص:

  • يبدأ الإيمان بمرحلة التلقين، الطفولة، ثم يتطور للتصديق، وأخيرا، يتطور إلى الرغبة في التصديق.
يظهر أحد الأمثلة عن المرحلة الأولى، الطفولة، في تنمية المعرفة لدى الأطفال.

عادة ما يأخذ الطفل الدين عن والديه بمصداقية، دون القدرة على تحليل أفكارهما. إن تعليم الوالدين، الغير معصوم، يصبح الأساس الذي يقوم عليه مستقبل معرفة الولد الصغير.

ثقة الطفل في تدريس والديه يقوم على الاعتقاد في مصداقيتهما، وما لم يكن هنالك قوة تفوق تدريس الوالدين المؤمنين، تحل محل مصداقية الوالدين، ينشأ الولد على عقيدة والديه غالبا، دون تغييرها.

منطقيا إذن، وعلى افتراض أن الطفل محدود المعرفة التجريبية عند الولادة، يترتب أن "الإيمان" هو الركيزة الأساسية لجميع معارفه، وحتى كبار السن، يقرّون بقوة "السلطات المرجعية" الدينية (فتاوي سيد قطب وإخوانه مثلا) على بعض معارفهم، في مجال معين.

حين لا يكون للواحد منا الوقت أو الموارد اللازمة لتقييم جميع معارفه القديمة، نستعمل كلمة "الإيمان" لتوضيح فكره الحالي.

  • عرفنا أن الإيمان يظهر مع الطفولة، لكنه يتطور أيضا بالتصديق في مرحلة البلوغ، تصبح بعدها، رغبة في التصديق، حين يتقوقع الفرد على نفسه، محاولا إبعاد الأفكار الشريرة عن نفسه، يظهر عندها، التطرف.

"أزمة الإيمان"، هي المرحلة بين فكر قديم وآخر جديد، يضطرب فيها الإنسان، ليصير الكائن البدائي الأول، الباحث عن أجوبة لسؤاله القديم: من أنا؟
عندما يحس المؤمن، بأن عقيدته متخلفة، أو فيها كثير من التناقض، عندما يحس بأنه "يصدق" أي شيء، تبدأ "أزمة الإيمان" بالظهور.

وحتى يستقر الإنسان على عقيدة أخرى، جيدة مقنعة، يبقى في الحيرة والشك، ملحدا، غير مقتنع بأية فكرة، ليصبح شكاكا...

  •  لكي نفهم و يفهم المؤمن التديّن وطبيعة الإيمان جيدا، يجب أن يسأل نفسه، لماذا لا يغير "الآخر"، مسيحيا أو مسلما، دينه ببساطة، أليس يعلم أن دينه محرّف، أو أنه عيسى ليس ابن الله مثلا، وغيرها...
عندما يبدأ المؤمن في سؤال نفسه هذه الأسئلة، يمكنه الدخول في موضوع الإيمان بشكل صحيح:
·        كيف ولماذا يرتدّ مسلم سنيّ ما، ليصبح شيعيّا؟
·        ما الذي يدفع مسيحيا مجنونا لكي يصير مسلما مثلا...

لا يغير المؤمن عقيدته بسهولة، بل هي آخر شيء يمكنه النقاش فيه، وحدهم المفكرون، أو من هم عرضة للأفكار الجديدة، من يمكنه تغيير جزء من عقيدته، أو العقيدة كلها، مرة واحدة، أو عبر مراحل.
الجزار أو النجار، ليسا عرضة للأفكار، بقدر عرضة الطالب الجامعي أو إمام مسجد، للجديد منها، لهذا، ستجد دائما أن البشر البسطاء، أكثر تقليدا في مناهج حياتهم للسلف، عكس أهل الكتب، والتي تنتعش بالأفكار الجديدة.

 كثرة المعلومات، والأفكار التي تمنحها الشبكة "انترنيت"، يمكنها أن تكون عاملا عظيما في توسيع الفكر أيضا، قد نجد طالبا في الثانوية، قرأ كتبا جيدة، معقدة، لم يسمع بها أستاذ يدرّس الفلسفة في جامعة مرموقة مثلا.

لكن، ورغم أن الشبكة تمنح مستعملها أفكارا متنوعة، إلا أنها يمكن أن تكون تقليدية أيضا، حين يلتقي المستخدمون في منتديات دينية أو غيرها، مجتمعات مصغرة، تؤكد على معتقداتها، مقابل فساد معتقدات الآخرين.


طبيعة المؤمن :


يجيبك المسلم عن المسيحي، بأنه عنيد، يصر على كفره، رغم وضوح الإسلام، نفس إجابة المسيحي مثلا اتجاه المسلم، عنيد، مصر على أن محمد رسول من الله، ليس مجنونا عنيفا أو مدعّ كذّاب.
العناد ليس صفة وحدها، يصف المؤمن، مؤمنا آخرا بالتخلف، أخيرا، سيقول لك المؤمن، بأن "الآخر" متطرف..
إذا كانت هذه صفات مؤكدة بين المؤمنين على بعضهم بعضا، يمكننا القول بأنها تصلح لجميع المؤمنين، بأي نوع من الديانات، وفي جميع الأزمنة والظروف.
علم النفس، يشير للصحة والسلامة العقلية والذهنية بشكل أعمق. الإنسان المتدين في نظر علم النفس، مجرد حيوان اجتماعي يشعر "بضرورة" الانتماء لفصيلته من الأجناس .


المؤمن، إذن، حيوان، عنيد، متخلف، خطير أيضا، لأنه قد يصبح متطرفا في أية لحظة، والتاريخ حافل بالأمثلة.

نقد الإيمان، الكفر


الشخص الكافر، سواء كان لادينيا أو ملحدا صرفا، ينكر ما جاء تاريخيا في الكتب، من علاقة للخالق مع مخلوقه.

الشخص اللاديني (Agnostic) (اللادينية، agnosticism) ورغم أنه ينكر المعتقدات الدينية، يشترك مع المتدين (مسلما، يهوديا، أو بوذيا) بإدراك شيء مهم، الخلق، إن اللاديني يعترف بأنه شيء...مخلوق.

  • يقول بليز باسكال المسيحي:

أنا المخلوق، أعرف أنها القوة العليا (...) التي منحتي هذا الجسد، هي مصدري، وهي نهايتي.


  • يقول برتراند راسل الملحد (Bertrand Russell) أيضا حول الإيمان والكفر:

ما معناه، هو أن الإنسان الملحد أو اللاديني، لا يريد بالضرورة أن "يكفر" أو يرتدّ، إن الإنسان الملحد، والذي يعتبر نفسه عقلانيا، يقول: لا توجد أدلة كافية لتصديق (إيمان) بهذه الفكرة (الدين) وليس لي أن أتبع ما أعتقد أنه...مجرد خرافات.
لو أراد "الله" فعلا بأن نؤمن بها (الرسالة) لكان ظهر للعيان، فلا حاجة لتضييع وقته ووقتنا في رسل، ثم تهديد ووعيد.

الإجابة عن السؤال، من يحتاج للآخر

بالرجوع للمصادر الدينية نفسها (إسلامية أو يهودية مثلا) نجد أن الله هو من إحتاج للإنسان، منذ أول يوم لخلقه:
  • "سأجعل خليفة في الأرض"
  • "كل ما خلقته لك، لكنك أنت لي"

بالنسبة للإنسان، يجب الرجوع للإنسان الأول، (الانسان القرد)، لفهم طبيعته المؤمنة الحالية.

بدأ الدين، حين بدأ تمجيد البشري لقوى الطبيعة، متطورا مع الزمن، وخائفا من قوى الطبيعة، الموحشة، مثله مثل القرد أو الكلب حين يهرب من صوت الرعد المخيف.

رعد وبرق، آلهة لهما، رب للرياح، آخر أنثى للقمر، إله للشمس الساطع وهكذا، تليها قرابين لها، ثم تمجيد.

 البشري القرد، لم يطلب الأرباب حبا وعن رغبة، بل رهبة أولى كانت سريرته، ولو تخلص من وساوسه، وإلحاح رغبته في التدين، لربما صار أكثر عقلانية.

  • أخيرا، وكما قال  المعرّي أيضا، ساخرا في كتابه رسالة الغفران من الطبيعة البشرية المسكينة:

خلق الإنسان من طين، يعني، مطيّن شويّة.



(يتبع)

 

مصادر




تعليقات

يمكنك التعليق..

الأرشيف